Cool Red Pointer
Glitter -->

شريط الإهداءت

السبت، 30 أكتوبر 2010

( تأملات أبوريان في هبوط آآدم وتكون الجنين )

_____
تأملات أبوريان  في بداية خلق الإنسان
وقفة مع الهبوط وتكوين الجنين :
دعونا أولا ًنطرح على أنفسنا هذه الأسئلة المستفزة والمحفزة للعقل والتي تقول:
_1..هل بالفعل  كان مكان نزول آدم ،في الهند وحواء في جدة  بعد هبوطهما من الجنة كما يقول  بعض المفسرين يرحمهم الله ، مستندين في ذلك على التخمين و على الظن من منطلق نظرية ،أنه أهبط من جنة الخلد وليس من جنة الأرض؟الحضانة الأولى للإنسان العاقل والمهد الأول .
بالرغم من إن ابن عباس رضي الله عنه  قال أن نزولهم كان في الصفاء والمروة وهو قول لعمري قارب الحقيقة ولامسها ودنى منها؟
_ 2..وإن كان في الهند فكيف التقيا وبينهما البحار التي لم تكن تتوفر فيها بعد  وسائل النقل الحديثة  البحرية منها والجوية لتنقلهم ؟
_3..كيف عرفا مكان بعضهما ؟
_4..هل بالفعل رأى آدم ذريته كلها أمام عينيه رأها كالذر ، كما قال المفسرون في تفسير الآية التي يقول فيها ربنا تبارك وتعالى :
) ‏وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [172] أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)
بالرغم من إن الآية صريحة وواضحة ،فهي تقول :وإذ أخذ ربك من بني آدم ،ولم يقل من آدم ؟
وقال من ظهورهم ولم يقل من ظهره ؟ فكيف ينسب الضمير لآدم الفرد؟
__ 5..هم يقولون بأن آدم عاش الف سنة والسؤال  كيف حسبوا ذلك وهم لم يعرفوا كم كان عمره حين نفخ فيه من روح الله ؟ أشاباً كان أم كهلا ؟
__6..وحواء التي خلقت من ضلع آدم كما يقولون هل كان عمرها كعمر آدم حين خلقت من ذلك الضلع الأعوج ،ضلع الحب المنحني فوق القلب النابض كما يسميه البعض؟
 تدبروا وتأملوا لعلكم تدركون .
_...ومن هذه النماذج  هنالك الكثير الكثير ولكن خشيت من الإطالة فاكتفيت بما أتيت...
فهل بعد هذا يجب علينا أن نقول أن السلف يرحمهم الله قد فسروها وكفى بهم مفسرين للماضين وللمعاصرين وكأن القرآن انقضت عجائبه هناك في زمانهم؟
 ،أقول وبالله التوفيق :
بل نقول يرحمهم الله على ما اجتهدوا به بحسب معطيات زمانهم وعلومهم التي توفرت لهم فهم قد أسهبوا وبذلوا أنفسهم وسخروها لتفسير كتاب الله ولكن في مجال المتاح لهم والمعلوم،
فيا أيها الأخوة المسلمون العقلاء،آن لكم أن تتدبروا قرآنكم وتفسروه تفسيرا صحيحا متأنيا ً بغير ماقد نقل وأ ُثر فينا وتقدس فهمه لدينا ، وأن تربطوا بين علم الله وآياته الكونية ،والعلمية المعاصرة التي وصل إليها الإنسان الآن بفضل تطور عقله وتفكيره وبفضل الأسماء التي عـُلـِّمت له،
وبين آياته القرآنية ؟
مع عدم هضم حق الأوائل الذين أدوا ما عليهم  في هذا المجال وغيره ،
فنحن و في هذا العصرالذي ظهرت فيه علوم شتى تتوافق كثيرا مع ماجاء في كتاب الله وتتناقض مع بعض التفاسير القديمة نقول : لسنا مجبرين على أن نسير على خطاهم وفهمهم لبعض الآيات ، ، فنحن نشاهد أمام أعيننا الكثير من  التطورات العلمية والاكتشافات الكونية التي تتعارض مع تفسيراتهم ، مما يجعلنا نعتقد بأن القرآن وآياته يتعارضان مع ما نلمسه من علم الله الذي أتانا منه قليلا ، ومع آياته الكونية إذا ماأخذنا بتفسيراتهم ،فنظن خطاءً بأن خالق الكون غير منزل القرآن ؟
(وهذا ماحدث لعلماء أوربا في القرون الوسطى وماتلاها ، حيث ألحد الكثير منهم حين وجدوا أن كتابهم المقدس يتناقض مع مكتشفاتهم العلمية الثابتة)؟
وقبل أن أسترسل في موضوعي ووجهة نظري أحب أن ارحل بعقولكم إلى هذه الرحلة الخيالية السريعة إلى عالم آدم الأول:
لنتخيل كيف كان عصر آدم الأول( آدم بعدعصر النفخة؟
 فتعالوا نرسل كاميرات تخيلاتنا التصويرية لنلتقط بعض المشاهد للمخلوقات الأولى ؟؟
النقل يقول لنا أنه لم يكن لديهم مالدينا الآن من إمكانات ومن موجودات ومخترعات؟؟
فهل هذا صحيح ؟،
نعم صحيح
لم يكن لديهم ثقافة لغوية تزخر بأحداث الماضين وتوقع نظري للمستقبل وتنوع الحاضر ؟
لم يكونوا يملكون سوى لغة تعبيرية حركية  مجردة من المفردات والجُمل المركبة من الحروف تصاحبها بعض الأصوات المعبرة عن الحدث ، تتسم بالبساطة مع ربط الأسباب بالمسببات تساعدهم على التعبير عما يريدون قوله ،
لم تكن لديهم أواني ولا أثاث ولا أسّرة أو فرش أو وسائد ولاتلفزيون  ،
كان طعامهم  بسيط يتكون من الفواكة وأوراق الأشجار وجذوعها ولبن الأنعام ولحومها الذي لم يكن يطبخ كما يجب ،إلا ما كان منها يوضع على الحجر الأملس ليسخن بواسطة حرارة الشمس في فصل الشتاء،
ليس لديهم ملاعق أوشوك أو بيتزا أو هامبورجر؟؟،
لم يكونوا يعرفون لغة الغزل لكي يداعبوا بها نسائهم اللاتي كن  لايستخدمن المكياج أو الشامبو أو الكريمات  ليتزين لأزواجهن ولا حتى العطور الفرنسية، أو الصابون ،
فقد كان يكفيها الماء ..المنظف الوحيد  لإزالة  ما علق بهن من أوساخ سببته الأتربة وأشعة الشمس،،،
ملابسهم بسيطة جداً تغطي منطقة العورة فقط وباقي الجسم مكشوف ، مصنوعة من الريش وجلود الحيوانات وأوراق الشجرعلى طريقة آخر موديل في زمانهم .
مساكنهم الكهوف والأشجار الوارفة كثيفة الأغصان .
كانت شعورهم تصل إلى سيقانهم في كثير من الأحيان، وكذلك أظافرهم الطويلة التي كانت تستخدم في قطع كثير من أشيائهم .
إذا ً هي حياة ليست حافلة بشئ من المتلطبات الضرورية وفيها مافيها من الصعوبة، كما أنها تفتقر إلى أبسط صور الأناقة .
إلى هنا ينتهي التصويرالمرسل عبر التخيل ،ونعود بكم لأستديو التحليل والسرد مرة أخرى ..
أخوتي في الله ،رب سائل ٍ  منكم يسأل ويقول:
كيف يكون ليس لآدم لغة وهو من علمه الله الأسماء كلها ؟،
نقول له وبالله التوفيق ، إليك الأسماء التي علمها الله سبحانه وتعالى له  (فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوءة أخيه...؟؟)
هل فهمتم ما أعنيه ؟؟
أنها أسماء الفهم والتركيب والتحليل وربط السبب بمسبباته والتفكير والمحاولة والرقي في الفعل والتعلم من المحاولة والاستفادة منها كما تطويع الممكنات لإحتياجاته ، وكما هو الحال إلى يومنا هذا في كل نسل آدم إلى يوم القيامة ؟،
وليس كما قال بعض المفسرين ،بأنها أسماء كل الأشياء ،حتى بالغ  البعض من المتأخرين  فقال :علمه حتى أسماء التلفزيون والنت والكمبيوتر والسيارة ! ،
وليت شعري هل عقلها حين عَـلـِمها  ؟؟
إن الإنسان ومنذ آدم الأول وهو يرتقي علميا ً  وفكريا ً واجتماعيا ً وماهذا إلا  بفضل الأسماء التي وهبها الله له والتي تساعده على معرفة الأشياء وأسبابها وماتتطلبه من عمل وتركيب في جهازه الخارق ، العقل، صانع الأسماء ومن به  يستطيع أن يصنع الأشياء ويجعل لها أسماء  يميز بعضها عن بعض بل ويعبر عنها وعن كينونتها ومهيتها ووظيفتها؟ ،ولكم أن تقارنوا بين ،علمهُ الأسماء كلها ،ونفخ فيه من روحه لتصلوا إلى معادلة تطفي لظى السؤال لديكم كما مفردة الغيب التي جاءت في هذا الآية  (قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ
قال غيب السموات والأرض، فماعلاقتها بالأسماء ؟؟
،علم آدم ....كل آدم وليس آدم الفرد ؟؟
فلما أنبئهم  ،ولم يقل فأنبأهم بأسمائهم ليؤكد لنا سرعة الحدث وتتابعه ...مما يعني أن الفعل في الإنباء لازال متواتراً ومستمرا ؟
ثم ما فائدة أن يتعلم آدم الفرد ويجهل بقية السلالة من بعده ؟
تدبروا وتفكروا وتأملوا ..!
إن الإنسان إذا ما أراد شيئا فكر ثم قام بعمل ما فكر به ثم بعد ذلك يقوم بتسميته ..أسماً يتناسب وحركته وصورته مما يجعل الاسم له حظ من المسمى وملاصق له  ولمهيته ،وما ذاك إلا لأن  لديه مخزون من الأسماء المتحركة والمتوقدة لمعرفة الأشياء والغوص في خصائصها والإبداع فيها ، فهو من  بداء باستخدام أظافره التي كان يستخدمها في أحيان كثيرة لقطع بعض الأشياء ولمساعدته على أنجاز مايريد إنجازه لعدم توفر الأدوات الحادة للقطع ؟
ثم تلاها الحجر الحاد والخشب ثم الحديد إلى أن وصل إلى الأدوات الحديثة ....وهكذا هو في تطور مستمر بفضل تلك الأسماء ؟
الأسماء المتكونة  في العقل ،
العقل المدرك للأشياء والذي يقوم بدوره  بصنع التسمية ومن قبلها التفكير والإبداع ،
لذا أرجو من الأخوة الذين سيمرون على موضوعي هذا أن يصبروا حتى أكمل وبعد ذلك ، فليدلوا بما يشاءون ،
كما أحب أن أنوه ، إلى أنني سأعتمد في طرحي هذا على الكتاب أولا ً ثم على السنة النبوية الشريفة إن وجد فيها ما يُستشهد به ... ولست مجبراً على أن أتي بماقاله السلف من ضعيف القول والسند ..فهم قد قالوا وجزاهم الله خيرا على ماقالوا ،وأما الثالثة فستكون على التوقع والممكن وعلى مايقضي به العقل  من البديهيات وعلى كاميرات التخيل التي تتواجد في كل مكان وزمان من هذا الكون الواسع ،وعلى الأسماء التي علمها الله لنا وركبها في عقولنا،
فإن  رأيتموني أتيت بحدث ٍ ما  لادليل عليه مما سبق فإن دليله لابد وأن يكون من خلال  ترابط القصة ببعضها البعض أو  من ما مضى أو مما سيأتي،
وسوف يكون تحليلي بالعقل والممكن وسرد الأحداث كما التوافق بين ماحدث في ماليس له دليل ومما بقي من أثره وله دليل من الكتاب أو السنة،
مثال ذلك ، ربط شعائر الحج  بألأحداث الأولى لآدم الأول وجنته وسكنه والعقوبة التي تمت بحقه من قبل ربه ، ،
ومن ذلك : أن  بداية البشرية العاقلة كانت في الجزيرة العربية بدليل القول بأن سام ابن نوح هو من بنى مدينة { صنعاء اليمنية ) ، وبأن أول الأنبياء كانوا في الجزيرة العربية كنوح وهود وصالح عليهم السلام وهذه من الأمور الثابتة نقلا ً وعقلا.
 فهل منكم من فكر بهذا وربط بين العلاقة بين أوائل الأنبياء الذين كانوا في الجزيرة العربية وبين آدم الأول ؟؟،
وبين أن أصل( السامية ) تعود إلى الجزيرة العربية ،وكذا الحامية في إفريقيا القريبة منها ؟
أيضا ً لماذا كان أول الأنبياء في الجزيرة العربية وكذا آخر الأنبياء؟
والربط بين الحدثين برابط المنطق والحكمة والبداية والنهاية اللتان كانتا من مكان واحد ؟
أيضا ً  رب سائل ٍ يقول : مادليلك على كذا وكذا؟
أقول :لعل ما قلته   يكون حلقة ضمن سلسلة حلقات لها شواهدها وأدلتها السابقة أو التالية،
ولعلي أقول مثلا ً أن آدم الأول لم يكن يلبس الملابس في الجنة ،بل كان عاريا ً؟
،فيسأل سائل ومادليلك ، أقول الدليل في سياق حدث سابق أو لاحق وهكذا، وسأختم قولي هنا بأن أنقلكم الآن إلى سماء التأمل في تلك المراحل التي تطور فيها الأدم الاول ومن قبله البشر ؟؟
فنحن  نراها كل يوم وأمام أعيننا  لكننا لم نفكر فيها أو نتدبر،
فتمر من بين أعيننا وكأن الله لم يخلقها لكي يرينا من خلالها آياته التي  كثيرا مانتغافلها  وكأن آيات الله مقصورة على مافي القرآن فقط .
قال تعالى ، وفي أنفسكم أفلاتبصرون )
وقال أيضاً (ومامن دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم ُ ُ أمثالكم مافرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يُحشرون ) .
وقد قالوا في تفسير( الكتاب)في هذه الآية هو اللوح المحفوظ ؟ونحن نقول بل كتاب الله المنزل إلينا والذي لم نتدبره حق التدبر ففيه من كل مثل وإن لم يكن مثلا ً فإشارة أو إلماح أو تصريح ولكن أين هي العقول المتدبرة ؟ وإليكم هذه التي تؤكد أنه الكتاب المنزل (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا ً لكل شي ) فماذا بعد هذا ؟
وقال أيضا ً( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ [الحج 5]
فماأعظمها من آية ،وما أعظم جهلنا  بها حين نمر عليها فلا نتدبرها وهي التي تخاطبنا وبشكل مباشر في كل زمان ومكان ،
والعجيب أنها جاءت في سورة الحج ؟
وكأن الله سبحانه وتعالى يقول لنا تدبروا وتفكروا وأربطوا بين الأحداث التي وردت في الآيات وبين وجودكم وحجكم وشعائركم التي تجهلون معانيها ، وهي التي كانت أول ممارسات وخطوات لآدم الأول الذي عاش هنا في الجزيرة العربية و في عصر مابعد النفخة وفي أماكن الحج وشعائره؟،
ثم لماذا في سورة الحج بالذات؟؟؟ ياالله ،
لعل قائل يقول هي مصادفة ،نقول له  بإن الله لايضع حرفا ً في كلمة إلا وله مدلوله ومكانه وحكمته ، فكيف بآيات تتحدث عن خلق وتكوين الإنسان وهو المخلوق المكرم ؟،
وتأملوا معي هذه أيضا ً في سورة المؤمنون ،( ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون 14
وهذه التي تشابه النفس الأولى الغير مخلقة ، والتي لم يكتمل فيها تحديد الصفات للجنين بعد ،وهو مايشابه النفس الأم (الخلية )التي خلق منها البشر فكانت غير محدد الصفة أو النوع ،قال تعالى (فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ ...)
وتأملواهذه ايضاً:
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ [السجدة 9 )
درج الفهم  لدى الجميع أن الروح هي تلك التي تجعل الإنسان حيا ً ؟؟وهذا إن صح  فماذا سيكون تفسيرنا للنفخ في مريم التي كانت في الأصل حية ترزق فنفخ فيها من روحه لتحمل بالمسيح عليه السلام  ؟؟
ونحن  نقول بأن الروح  لها معاني أعمق من فهمنا النمطي السطحي الذي نعتقد به أن الإنسان حينما يموت تخرج روحه منه فترقى إلى السماء ،رغم أن الله لم يقل هذا ، بل قال: ياأيتها النفس المطمئنة أرجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) ،وقال أيضا ً (كل نفس ذائقة الموت )،وقال أيضا ً( الله يتوفى الأنفس حين موتها)،وقال أيضا ً(و لو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت و الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم ، اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق) فالنفس هي التي تخرج  وليست الروح ، وهناك من المفسرين من فسر الروح على أنها النفس !
و هذا غير صحيح فالروح أعظم من أن نُعرفها بهذه البساطة ؟ ،(قل الروح من أمر ربي ) ولكن لنا أن نعلل الروح بذلك المجال المتواجد في كل مكان لإعطاء الاتصال الروحاني النوراني الإلهي  المطلوب لكل كائن بشري حي بشرط توفر اللاقط المباشر الفعال المتصل بها فإن كان معطوبا ً أنقطع الإتصال بها ، ولنقرب الصورة  أكثر بمثل بسيط في شبكة الاتصالات  التي توفر لنا المجال للتواصل عبر الهاتف لإيصال الصوت فإن كان الهاتف مغلقا أو معطوبا فمرد الانقطاع إلى الجهاز وليس للروح المتوفرة في كل مكان،
فالروح متصلة بأمر الله ولها وظائف أخرى كالإدراك والتعقل؟
،والله اعلم .
وتدبروا معي هذه التي تحكي أنه خلقنا من قوم آخرين وهو مدخل لماسوف أتي به لاحقا ً ولكي أحفز  بها عقولكم قبل ذلك لتتدبروا ،)
(ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } * { وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } * { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } * { قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ)
فتأملوها وتدبروها ،قال :أنشأكم من ذرية قوم أخرين ؟)
والإنشاء هو الترقي والرفع ،فلا تغفلوا عقولكم عن التدبر ،
فلو كان  المقصود بقوم آخرين يعني أبائنا لقال ذلك صراحة كما جاء في آيات أخرى ، ولكان أمر ليس فيه تذكير فالإنسان أصلا ً من أبيه وأمه وقبل ذلك من جده وأبو جده وهكذا ..الخ، ،
لكن الآية لها معنى ودلالة أخرى فتأملوها جيدا ً لعلكم تجدون الجواب في نفحاتها فهي تتحدث عن الإنشاء وليس الخلق من قوم آخرين ،كما أنه قال يذهبكم أي ينهيكم ويبتر نسلكم ؟
وتأملوا هذه أيضا ً وهي  تعبر على أن الأرض هي أصل كل الأزواج :
(سبحان الذى خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون)).

أستراحة للتأمل في تكوين الجنين:
 (مراحل تكون الجنين في بطن أمه )
إن في مراحل النمو لدى الجنين في بطن أمه  ثم خروجه إلى عالم الحياة الدنيوية لآيات للمتدبرين  والمتأملين ،فهي  مراحل شابهت وماثلت  كثيرا ً مراحل تكوُن البشر قبل عصرالنفخة وما بعدها ...فماء الرجل يماثل الماء الأول الذي خلق منه الإنسان والماء مع التراب كالمني والبويضة ثم يأتي الخلق المتوالي كالأمشاج والنطفة المخلقة والغير مخلقة والعلقة والمضغة والعظام واللحم الذي يكسو العظام وهي ماثلت مراحل التكوين الأول من الماء والتراب والطين والطين اللازب والصلصال والفخار ثم الإنبات الذي يماثله في عالم الجنين الإرتباط بجسد أمه عن طريق الحبل السري الذي يقوم بإيصال الطعام إليه لينمو ويتكون .... ومامرحلة النفخ في الجنين في الأسابيع الأولى  إلا كتلك النفخة  التي غيرت مسار تطور الإنسان ونقلته نقلة نوعية جبارة ليصبح إنسانا عاقلاً،
ثم تكونه التدريجي الذي فصله عن نبتته التي نبت منها عن طريق الحبل السري المتصل بها هناك وبأمه هنا ؟
،ثم اكتمال نموه الجسماني  وخروجه من بطن أمه إلى عالم أخر فيه الشقاء والعناء والاعتماد على قدراته ، كتلك التي  شابهت مرحلة خروجه من جنته التي توفرت له فيها كل سبل العيش السعيد ، فلا يعرى فيها  ولايضحى ؟
وكذلك تسميته بالجنين ،من الجنة ، جنين، وجنن ، وكأنه يحيا في جنة حين يكون في بطن أمه؟
، ثم مجيئه للدنيا التي يبكي لحظة الوقوع في أحضانها  وماذاك إلا تشابهاً  للبكاء والندم الذي وقع لآدم الأول بعد خروجه من الجنة  بكاء  آدم النوع والجنس )
ثم يبداء بالملاحظة والتعرف  لكل ما هو حوله من أشياء تثير اهتمامه وتشد انتباهه  وتستفز عقله وتحفزه للتفاعل معها  فيبدءا  بالتعلم والتأثر والتقليد لكل مايراه من حركات وأصوات فعلية من حوله،كما كان الحال عند آدم حين كان يشاهد الملائكة وهم يعمرون البيت ويقومون ببعض الأعمال أمامه فيتعلم منهم،
ويكون أول طعامه في الدنيا حليب أمه كما كان كان طعام آدم بعد خروجه من الجنة من حليب الأنعام التي أنزلها الله له وهي الإبل والبقر والمعز والضأن ((قال تعالى(وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج)
ولكي لاتتسرعوا في الحكم على آرائي أتلوا هذا معي وقاربوا وسددوا ثم أحكموا على مثلي ؟؟
قال تعالى: (وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع  للناس )
الحديد لم يكن موجودا ً على الأرض لأنه لايمكن أن تتكون مادته داخل الغلاف الجوي للأرض ،وهذا ماأثبته علماء اليوم ،
ورب  سائل يقول لي مادليلك على أن الأنعام أنزلت من السماء نقول له ،تأمل هذه الآيات وأحكم (تنزل الملائكة والروح فيها) ، وقوله تعالى: (نزل به الروح الأمين) وقوله تعالى ،(إنا أنزلناه في ليلة القدر )
أنزل ،ينزل ،تنزل ،نزل ....الخ

وهذا يدلل على  العلاقة الحميمة بين الأنعام والأنسان فهي مسخرة  ومذللة له وعيشها لايكون إلا اينما سكن هو ، كما ارتباطها بشعائره الدينية ؟
لنعود إلى مواصلة التأملات :
ثم يبدءا الطفل بالتعلم الحركي والتقليد لكل ما يراه ،كمافعل آدم في تعلمه من الملائكة الذين كانوا يقومون  ببعض الأعمال أمامه وذلك  بعد خروجه من الجنة فيراهم فيتعلم منهم  ، وكما فعل أبن آدم في دفن أخيه حين رأى الغراب يحفر في الأرض فقام بتقليده ،  وكذا الطفل يطبق ماراه من فعل والديه تطبيقا ً يجعله بعد ذلك يـُكوِّن صورا للفهم والإدراك تترسخ ملامحها في ذاكرته ،
وتأملوا معي روعة  هاتين الآيتين اللتان تربطان بين حدثين متشابهين تماما ً ؟
الأولى عن آدم الأول العاقل ،والتي يقول فيها سبحانه وتعالى (وهو الذي أنشاء لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ً ماتشكرون ،)و تعني آدم الأول الذي كرمه الله بالنفخة التي وهبته التعقل وبالتالي الإدراك بواسطة هذه الأدوات التي كانت غير فاعلة فرقاها عن طريق الإدراك العقلي(الإنشاء بفضل النفخة) .
 ،والثانية والتي تتحدث عن الطفل الرضيع الذي أيضا لايعقل وهو كما قلنا شابه آدم ماقبل النفخة وبالتالي ماقبل العقل ...قال تعالى (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لاتعلمون شئيا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون )
هناك في آدم قال في آخر الآية (قليلا ً ماتشكرون )وفي حال الطفل قال ،لعلكم تشكرون وهي دقة في اختيار المعاني، ففي حال آدم قال قليلا ً ماتشكرون لأنه صار مدركا ً وعاقلا ً وفي حال الطفل قال لعلكم تشكرون أي حين يصبح عاقلا ً ومدركاً ؟
،والشكر يتعلق بالنعمة ،ونـِعم الله على كليهما تستوجب الشكر ،فآدم كان مخلوقا ً لايذكر مثله مثل أي مخلوق أخر لايدرك نفسه ،فكرمه بالنفخة والعقل والخلافة فأدرك بها نفسه وربه ومحيطه ،وهذا طفل رضيع ضعيف لايقوى على شئ فوهبه نعمته التي بها أدرك ماحوله فصار قادراً على أن يقوم بشئون نفسه، فسبحانك ربي وعفوك عما جهلنا ونجهل وعن تقصيرنا عن شكر نعمك علينا.
كما أنه لايصبح مكلفا ً إلا إذا بلغ سن الرشد وهو الحال الذي كان فيه آدم الأول في الجنة حين لم يؤمر بعد بالاتصال الجنسي وكذا التكليف(في مرحلة الحضانة التحضيرية ) ؟
 ثم يصبح شابا ً ناضجا عقلا ونفساً وجسما كحال (آدم المصطفى ) ثم شيخا ً ـ ثم يأتيه الموت وهو الولادة الأخرى لعالم مابعد الحياة الأولى،
وليس كمايظن البعض أنه الفناء والنهاية ، بل هو الانتقال إلى عالم البرزخ ،الذي يتحلل فيها الجسد  ليعود ترابا ً كما كان ، فينشاْ النشأءة الأخرى الأبدية التي لايعلم مهيتها وكيفيتها إلا الله ، وتعود النفس إلى ملكوتها التي أتت منه ،
فيا الله  ماهذه العظمة الربانية ،وماهذه الصور الرائعة المعبرة ، ويالنا من مارين عليها مرور الجهلاء بعظمتها وروعتها ودلالتها  ،
نرددها ونتنافس على حفظها وترتيلها ومافهمنا ماالمقصود في أمر  الترتيل الذي قلته لنا.. حيث ظننا أنها القراءة وحسب ؟
بل وكأن آياتك اقتصرت على كتابك المنزل فقط .. ولم تشمل كل مخلوق خلقته بقدرتك وحكمتك في كونك الواسع .
لم نقف عليها يوما ً  موقف المتدبر المتأمل ،
بل كم قد حملناها لتتوافق وقوانين مذاهبنا وأنظمتها،
وكأن كلامك وكتابك وآياتك تنتمي إلى مذاهب وأحزاب ، فنسقطها على مانعتقد لاعلى ماتعنيه أنت وتريده منا أن نفهمه ؟
 وكم أستجزئ منها لتكون قاعدة لمذهب أو لفكر ،
فسبحانك  ماخلقت شئيا ً إلا بقدر وما أنزلت آية إلا لنتدبر ، سبحانك ربي ما أعظمك ،فلا تؤاخذنا بما جهلنا ،فقد سألنا عن بعضها علمائنا  فقالوا لاتضر العالم ولاتفيد الجاهل ، وكأن كتابك نزل ليُزين بأجمل الأغلفة والألوان وليوضع على ألأرفف ليكون زينة لها ،ولتقام له المسابقات والمنافسات التقليدية النمطية، وكأنها ليست للتدبر والتفكر ،سبحانك ربي فقد قالوا لنا لايجب أن نربط بين كتابك وماهو واقع علما ً وفهما ، فكأن القرآن ليس كلامك وكأن العلم وآياتك الكونية ليست من خلقك ومن فيض صفاتك ومماعلمتنا إياه ؟
فسبحانك ربي عمانصف.،
قالوا لنا مالم يوافق المذهب لانعترف به ولانقبله ،
فمذهبوا كتابك ولووا أعناق آياتك بمايقتضيه الهوى والمذهب ،
فأخذوا ما يشاؤن منها  ثم أغلقوا على أنفسهم أبواب ماقد علموا وقالوا كفانا ماعلمنا ثم  تربصوا ببعضهم ،فهجروا  التدبر والتأمل في عظيم آياتك التي أنزلتها لنا قرآنا ً نقرأه ،وأخر مثولات في أرضك وسمائك وفي أنفسنا تقرئنا إياها صورا ً تمر أمام أعيننا فلانبصرها ، لأن قلوبنا لم تتدبر ولم تتفكر ،
 فأنت لم تخلق شيئا ً في الأرض ولا في السماء إلا جعلت له مثالا ً للمتدبرين في كل زمان ومكان .
فسبحانك اللهم اغفر لنا ماجهلنا .
رحماك ربي ،ماأعظمك .
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،وصلى الله على خير الأنام وخاتم المرسلين
_____________________________
... يتبع .
الفقرة القادمة
تأملات أبوريان في بداية خلق الإنسان
وهي الأساس لهذه السلسلة
مع أعطر التحايا
أبوريان الدبعي


((أقراء المــزيد)) ..........

( تأملات أبوريان في قصة هابيل وقابيل )

_____
تأملات أبوريان في بداية خلق الإنسان
إنا عرضنا الأمانة...
إن أعظم هبة وهبها الله للإنسان ، العقل ،
فهو محل التكليف والاحتجاج والإدراك ،وغرفة التحكم بأمور الخلافة ومحرك البحث للوصول إلى ملفات الملائكة المعلوماتية الخاضعة الموكلة والمخلوقة لهذا الواجب....العقل الذي سُخر له مافي السموات ومافي الأرض .
،وبهذه المكرمة الربانية  النورانية كان لزاما ً أن يهبه الأمانة التي لا تعطى إلا لكل ذي عقل مُكلف ، ألا وهي الحرية ،والتي أنبثق منها الخلافة ؟
نعم الحرية
حرية التكليف الاختياري.
فالحرية بمفهومنا العصري ــ أو التكليف الاختياري بمصطلح القدماء ...هي الأمانة التي حملها الإنسان بعد أن مُنح  العقل فجعلته يتصرف كيفما يشاء بماسخر له من قوانين الكون والطبيعة  ..وكأنه إله الأرض يفعل فيها مايشاء وزيد على ذلك أن وهبه الكثير من صفاته اللا مماثلة في الكيف بل في المسمى ،كالكرم والقوة والرب والجبار والملك والمؤمن والعزيز وغيرها من الصفات التي  لم تعطى لغيره كما جعله خليفة على نوعه وأرضه ،وعليها وبها كان الالتزام والإلزام  الإلهي في أن يوجه الإنسان كلما زاغ ومال عن السلوك السوي بسبب رغبات نفسه وهواها أو أتباع لعدوه اللدود الذي شاركه ُ هذه الحرية ألا وهو الشيطان ؟
فالشيطان له من الحرية نصيب ، ولكنه سخرها كلها للغواية  و لم يعد مكلفا ً بشئ لينال عن التكليف الثواب ، ولطرده  من دائرة الرحمة الإلهية وبالتالي من الجنة وعلى هذا فهو ليس كالإنسان مكلفا ,
ويتمثل التوجيه الإلهي للإنسان  في إرشاده إلى الطريق القويم المستقيم عن طريق الرسل والكتب والعقل مع ترك الخيار المطلق له في القبول  أو الرفض واختيار أسلوب حياته كيفما يشاء، فهو سبحانه وتعالى أراد للإنسان أن يكون ربا ً للأرض مديرا لها  يقوم ببنائها بما أوتي من حرية وتفويض وعقل متصل به عن طريق ملائكة علمه ثم ترك له الحرية في التصرف بما سخر له فإن نجح في الاختبار فاز برضاه وجنته وهي شهادة الإله الكبرى وإن خسر وخاب نال الجزاء الأوفى ولو لاحظنا إلى سير الحياة وترقي الإنسان وتقدمه وتداول  الدول وتغير المفاهيم ورقي الحضارات  لأدركنا أن الله قد أودع في ماسخره للإنسان كل متطلبات الإدارة والخلافة فلا يتدخل في شئونه أو في تسيير حياته إلا إذا طلب منه ذلك من خلال الدعاء ,إدعوني أستجب لكم ،وإلا فهو ساير بما أتاه وقدر له كذلك لايتدخل في تغير نظام معين أو حالة إجتماعية إلا إذا بداء الإنسان بالإخلال بالنظام العام للأرض  إن الله لايغير مابقوم ٍ حتى يغيروا مابأنفسهم وهو التغير  الذي يشمل إحقاق الحق وتثبيت العدالة وتمكين الخير من السير بالمجتمع  كأن يقوم بالقضاء على قوم ظالمين لاعطاء ملكه لغيرهم ممن يرى فيهم الصلاح والاستقامة... يؤتي ملكه من يشاء وهذا مايفسر لنا عدم تدخل الله في كثير من شئون البشر وأعني بالتدخل هنا ..التدخل المباشر لأجل التسيير لتغيير نظام التخيير ، ووالله أنها لهبة ربانية لايعرف قدرها إلا من تأملها وتدبرها ،فهديناه النجدين عمل الخير والشر ،ليبلوكم أيكم أحسن عملا ،لينظر كيف تعملون ،وليعلم الذين أتقوا والذين كفروا وفسقوا وظلموا ،فاللهم لك الحمد على ماأنعمت ووهبت.
ولو لاحظنا أن كثيراً من أنبياء الله كانت من أساسيات دعوتهم إلى الله أنها تـُدعم بقليل من المعجزات لإثبات استثنائهم عن الخلق الباقين وبالتواصل الوحيي ،وماكان هذا إلا لكي يُصدقوا ويتبعوا ويميزوا عن غيرهم من البشر ...مع قدرة الله على أن يجعلهم خارقين لكل شئ  وفاعلين لكل شي وأيضا ً مع قدرته سبحانه على أن يجعل الناس كلهم مؤمنين به غير ضالين ولا مضلين قال تعالى :
(ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ... )
ولوشاء ربك لهدى الناس جميعا)
لكنه  يريدها حرية إختيار وصدق عبادة .
وانظروا إلى قوله تعالى :أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟
وكأنه يقول له أنا أريدهم أن يؤمنوا بي ولكن  بغير إكراه فالإكراه أنا قادر عليه،،  لكنني أريدها عبادة عن قناعة وحرية كاملة نابعة من ذوات أنفسهم التي خلقتها لهم مخيرة مختارة غير مجبرة وعن رضا واطمئنان فأنا وهبتهم كل مايحتاجونه من مسخرات تأتت لهم وسأجزيهم على المحافظة عليها وعلى الألتزام بماخـُلقت له وعلى الإعتراف بي كإله لهذا الكون مدبر أمره وخالقه والقادر عليه وأنه لايشاركني فيه أحد فوهبتهم الأرض ليعلموا معنى أن يكون هنالك شركاء في الأمر وأنه يختل التوازن ويذهب كل ُ ُ لما خلق وصنع وماالصراعات التي تحدث على الأرض إلا نتاج لعدم وحدة المدبر فيها من البشر ولكثرة المشاركين فيها و وهبتهم صفة من صفاتي وهي المشئية التي منحت لهم ،وماتشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين ، يفعلون بها مايشاؤؤن ليعلموا من خلالها قدرتي ومشئيتي وأنني قادر على نزعها منهم وأنني قضيت بعدالتي أن لايكونوا مسيرين ..
وهذا النوع من الإيمان الإختياري المبني على الحرية هو من العبادة العليا التي جُعل جزاءها جنة خلد ونعيم مقيم ودائم لانهاية له ولا فناء ... عبادة ارتكزت على وسائل تفكرية عقلانية بواسطة الإدراكات المنشأة للإنسان والتي ترك لصاحبها الخيار في القبول والرفض  ، عبادة قامت على حرية مفتوحة من رب لم يراه ُ أحد من عباده   ،وهي أسمى أنواع العبادات التي لا تضاهيها في الكون عبادة ...حتى عبادة الملائكة الكرام ،الذين لايعصون الله ما أمرهم  لأن قانون خلقهم أقتضى خضوعهم  كذلك خلوهم  من الرغبات والشهوات التي لدى الإنسان وكذا خلوهم من وسوسة  الشيطان ،كما أنهم ليسوا ممن  لهم جزاء أو ثواب لعبادتهم الدائمة ،
فالإنسان حين يؤمن بالله فهو بذلك قد أيقن بوجوده وتحرر من قيود شهواته ووسوسة شيطانه وأنتصر عليه  وهزمه في ميدان تحديه أمام خالقه حين قال لأغوينهم أجمعين ،وسخر حريته لله وفي الله ،
وسمى بيقينه وإيمانه إلى مرتبة تعلو وتسمو على مرتبة الملائكة التي كان يطمح لها الشيطان من قبل، فأراد الله أن يختبر إيمانه بخلق جديد أسمه الإنسان ،الذي أمره بالسجود له فأبا فكان الإنسان شاكرا لربه على هذه المكرمة الربانية حيث أبا إلا أن يسجد لله حين أمره أن يسجد ، وأ تبع رسله حين بعثهم إليه هادين له ،وإن أضله الشيطان يوماً فما يلبث أن يطرق باب رحمة ربه وخالقه يستسمحه ويطلبه العفو والمغفرة فيتوب عليه أنه هو التواب الرحيم فباب توبته مفتوح له و مغلق عن نده وعدوه الشيطان.
ومن هذه المقدمة الروحانية  نستطيع القول ...أن الحرية هي الأمانة العظمى التي حملها الإنسان قبل أن يصوره الله  في هيئته الجسدية الترابية الطينية ،
فما أن عرضها عليه قبلها وهي من  تبرأت منها السموات والأرض والجبال اللتان جاءتا طائعتين ،
قال تعالى :
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )
الأمانة هنا كماقلنا هي الحرية ،حرية الاختيار والتكليف  ،فالسموات والأرض اختارتا الطاعة منذ اللحظة الأولى لخلقهما ،وأما الإنسان فقد أختار الحرية والاختيار فكان ظلوماً لنفسه ِ جهولا ً بما سوف يحيط بتلكم الحرية من تبعات ومتاعب .
وقد جاءت آية مباشرة لهذه الآية تقول :
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِوكان الله غفورا رحيما)
هذه من نتائج الحرية والاختيار؟
 العذاب للرافضين عبادة خالقهم وإلههم وللمنافقين  ،ولكنه سبحانه غفور  رحيم بمن ناء بنفسه من أن يلقيها في غياهب الظلام الشيطاني )
وقد جاءت آية قبلها تقول :
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا  )
يطلب منهم أن يؤمنوا وهو سبحانه  القادر على إجبارهم على ذلك  لكن عدالته وحلمه قضت أن يدعوهم ويبين لهم ويرشدهم ويدلهم سبله ، وهم من بعد هذا لهم الخيار في الإجابة أو الرفض ،ورغبهم فيما عنده من الثواب ، فلمن يستجيب منهم يفوز بغفرانه ورحمته وجنته وهو الفوز العظيم .،
(أنواع الأمانات في القرآن )
أولا ً :الأمانة الكبرى وهي حرية الاختيار في القبول أو الرفض في الإيمان أو الكفر ،في العصيان أو الطاعة ، وهي صفة عظمى وهبها الله للكون كله فرفضها الكون إلا الإنسان تكبد مشاقها وحملها وكان نتاج لهذه الأمانة ، الخلافة في الأرض والتشريف الرباني والإخضاع الكوني له ، وتأكيدا ً لقولنا بأن الأمانة هي الحرية ، لأنها  الممتلك الوحيد الذي يتساوى فيه كل البشر فقيرهم وغنيهم صغيرهم وكبيرهم مسلمهم وكافرهم ظالمهم وعادلهم . بعكس بقية الأمانات الأخرى التي يتعامل بها البعض ،و تعد أمانات نسبية تتفاوت حصصها بين البشر؟!،
وتنبثق من هذه الأمانة العظمى عدة  أمانات أخرى مرتبطة بها كهذه التي في الآية التالية :
(إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
نوع هذه الأمانة أقل درجة من الأولى فهي أمانة معاملات وتعاملات مع الخلق ، بينما الأولى ،معاملة مع خالق الخلق ومسخراته .
وكذلك التي في هذه الآية :
(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وََعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)
فهذه ماثلت أختها التي قبلها ، مع أضافة الوفاء بالعهد لأنها أساس  تعامل الإنسان الكثير التعاملات مع الآخرين وهي من صفات المؤمنين ،

وأيضا ً
 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
هنا المقصود بالخيانة هو كل أمر أؤتمن الإنسان عليه أيا ً كان   لله أو للمخلوقين وهو الأمر الذي يكون قد ألزم المرء نفسه به .
وللشيطان حرية ؟
وقال الشيطان
قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين)
هنا نرى حرية من نوع أخر ليس لها أي مبادئ تقوم عليها إلا مبداء واحد وهو إضلال الإنسان بأي صورة كانت وبأي طريقة ممكنة ،لجعله يهلك في دروب الضلال  المؤدية إلى جهنم وبئس المصير ,فالشيطان يملك حرية كحرية الإنسان وهبت له من قبل أن يعصي الله فوصل بها شأواً ولكنه وبسبب حسده للإنسان أضاع كل شي ، وقد زادت صلاحيات حريته  بعد  أن عصى وتكبر وتمرد عن أمر ربه حين أراده أن يكون تحت أمرة  وإدارة الإنسان ، ،فأبا ذلك وأختار تسخير حريته  في العصيان وكان له ماأراد وهو أمر قضاه الله لمخلوقه الإنسان ،وعدالة إلهية للشيطان أن حرمه الجنة وطرده من رحمته إلى الأبد مع إبقائه إلى اليوم المعلوم وتمتعه بهذا الاستغراق الزمني المعلوم والمحدود،
و تتفاوت حرية الشيطان مع حرية الإنسان ، فهذه تؤدي بصاحبها إلى النار لامحالة ، وتلكم إلى الجنة إن إستقام صاحبها وسار على الطريق المستقيم مع رحمة ربه المحيطة به والقابلة لتوبته إن أذنب مع تغاير المسخرات لكليهما ،
إذ إن الإنسان مسخر له كل مافي السموات والأرض إلا الشيطان لم يرضى أن يكون في دائرة السيطرة والتسخير ،وقد حرم الشيطان من كل هذا   ،لكنه بالمقابل أعطي القدرة على أن يكون المسيطرالوحيد باسلحة الوسوسة  على الإنسان وأن يشاركه في كل مايملك من مال وأولاد وبها تكون سيطرة الشيطان على الكون المُصغر المتمثل في الإنسان  .
ولنا وقفة مع الجان ،
هل هم أيضاَ لهم حرية ؟
نقول  نعم ،فهم  في أيديهم أن يؤمنوا أو أن يكفروا ولكن لاسلطة مباشرة لهم على الإنسان كسلطة الشيطان التي وهبه الله إياها جزاء له في الدنيا ، إذ إن حريتهم محدودة في نطاق مجالهم وعالمهم    مجردين ومنزوعين من مادة الجسد التي لم ينالها إلا الإنسان كمخلوق عاقل؟ .
ولنا أن نقول :أنه كلما زادت الحرية (الأمانة )زادت التكاليف وزاد التسخير والتذليل .
قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم)
الله لايغوي  أي مخلوق من مخلوقاته   ، فأمرالله كله خير ،
لكن الشيطان أ ُمر فعصى فكان من المطرودين الخارجين من رحمة الله ،  ولو أنه خضع لآدم لكان من المكرمين والمنعمين والمقربين .. لكنه عصى وتكبر فنال عقابه وجزاءه ،
والآية هنا تقول ( فبما أغويتني) أي أهلكتني بقرارك هذا الذي طردت بموجبه من رحمتك ، لأقعدن لهم صراطك المستقيم ،فصراط الله مستقيم لا إعوجاج فيه ..وهو بهذا لم يعد له عمل يقوم به بعد اللعن (الطرد من رحمة الله ) سوى غواية الإنسان  ، شغله الشاغل الذي لايتوانى في جعله ينحرف عن صراط الله المستقيم ...
وفي القاموس المحيط (الأغوية )أي المهلكة وكذلك غيا (فسوف يلقون غيا )أي خسرانا وقيل شرا وقيل واد في جهنم.
قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم و لا تجد أكثرهم شاكرين ).
 شاكرين على مافعلته لهم وعلى ماأنعمت به عليهم وعلى مافضلتهم عليَّ وعلى غيري.
ونحن نقول بل خسئت أيها اللعين فبفضل من الله نحمده ونشكره ونتوب إليه ونعوذ بالله منك ومن شر عملك و شر أعمالنا ومن وسوساتك ووساوس أنفسنا ،اللهم لك الحمد حمدا بعدد علمك بالأعداد وبزنة عرشك الكريم وبملئ سمواتك وأرضك ،لك الحمد كلما نكس ووسوس الشيطان لك الحمد حمدا يليق بك وترضاه منا ،حمدا كما ينبغي لوجهك الكريم حمدا ً أزليا ً كأزليتك وباق كبقائك
ودائم كديمومتك .
 ،و صلى اللهم الله نبيك محمد وعلى آله وسلم تسليما ً كثيرا .
يتبع
الفقرة التالية
تأملات أبوريان في تعريف الشيطان )
مع أعطر التحايا
أبوريان الدبعي


((أقراء المــزيد)) ..........